الراي-يزمع مجلس النواب مناقشة مشروع قانون الاحزاب السياسية لعام 2014 من المواضيع التي تثير الجدل، والتي تحتاج الى تطوير القواعد القانونية التي تنظم مسألة تقديم الدعم المالي، حيث أكد مشروع القانون بموجب المادة 27 على تخصيص بند في الموازنة العامة لتقديم الدعم المالي للأحزاب السياسية على أن يحدد مقدراه وإجراءات صرفة وفق نظام خاص، وفي التزامن مع ذلك أعلن ديوان التشريع والرأي عن تعديل على نظام المساهمة في دعم الاحزاب السياسية لعام 2014 ليتم رفع مبلغ الدعم المقدم من خمسين الف دينار الى ماية وخمسون الف دينار.
في الوقت ذاته خلا القانون من أي ضوابط ومعايير موضوعية يتم على أساسها صرف مبالغ الدعم المالي للأحزاب السياسية، وأحال المشرع الى النظام الذي ايضاً قصر جانب التمويل على مبلغ يقدم في بداية العام والنصف الأخر في نهاية العام، على ان يقدم هذا الدعم كبدل ايجار للمقار ونفقات تشغيلية ورواتب للعاملين والمستخدمين في الحزب وأي نفقات أخرى لتحقيق غايات الحزب.
في البداية لابد من الاشاره الى ان النظم القانونية تباينت في مسألة تقنين تقديم التمويل للأحزاب فالبعض أشار اليها بنص صريح في الدستور والاخر نظمها في قانون الاحزاب والبعض الاخر في قانون الانتخاب، وبعض الانظمة أفردت لها قانونا مستقلا ينظم التمويل العام والشفافية المالية والصرف والانفاق المقدم من الميزانية العامة، المشرع الاردني أحال كما سبق الاشاره اليه الى نظام يصدر لتنظيم مسألة تقديم التمويل مما يبقي السؤال مفتوحاً حول مدى كفاية النصوص القانونية لتحقيق مبتغاها، حيث غدت مسألة تمويل الاحزاب نظاماً مستقر له قواعد وأصول ومبادئ عامة على ضوء تراكم التجارب العالمية ويأخذ حيز في أغلب الانظمة القانونية والسياسية العالمية حيث تشير الدراسات في عام 2001 الى ان 112 دولة من أصل 176 تأخذ بهذا النظام.
وتنوعت اساليب تقديم الدعم المالي في الانظمة التي أخذت بذلك، بين اساليب التمويل العام غير المباشر والذي ينظم مسألة تقديم الاعانات غير النقدية من مثل استخدام المرافق العامة، واستخدام الأثير الوطني محطات البث التلفزيوني والاذاعي، وإستفادة الاحزاب من المواد المطبوعة من خلال دور النشر الرسمية، والاعفاءات من الرسوم والضرائب، واستخدام المرافق العامة لتسهيل مهمة الاحزاب في نشر مبادئها، كل هذه الاشكال من الدعم غير المباشر تم الاشارة الى بعضها في مشروع القانون بشكل مقتضب وموجزولم يتضمن مشروع القانون اليات ووسائل وإجراءات تقديم هذا الدعم غير المباشر.
اما بالنسبة لتقديم الدعم المالي النقدي للأحزاب فإنه ينطلق من تحقيق الاغراض التي تؤكد على فعالية الحزب وهي المساعدة في أداء عملها كمؤسسات حزبية، والمساعدة في إدارة حملاتها الانتخابية بإعتبار الانتخابات الوسيلة الديمقراطية لتحقيق الحزب اهدافه. وتماشاً مع هذه الاعتبارات طورت النظم القانونية معايير على ضوئها يتم تقديم الدعم المالي للأحزاب الاول يتمثل في مستوى الدعم الشعبي للحزب وهو ما يمكن قياسة بعدد الاصوات التي حصل عليها الحزب في الانتخابات، والثاني يتمثل في النتائج التي حققها الحزب في الانتخابات ويمكن قياس ذلك من خلال المقاعد التي شغلها الحزب في البرلمان.
وعليه فإن هناك أسس واعتبارات لابد من مراعاتها تكمن في: المشاركة في الانتخابات، حيث يتم تخصيص مبلغ عن كل صوت انتخابي حصل عليه الحزب، ومبلغ يقدم عن كل مقعد نيابي فاز به الحزب، ومبلغ يقدم لدعم الحملة الانتخابية على شكلين: تخصيص مبلغ للاحزاب بالتساوي عن كل صوت انتخابي مسجل في الجداول العامة، أو مبلغ مقطوع يقدم لتغطية الدعاية الانتخابية، أو من خلال معايير مثل تقديم دفعة قبل الانتخابات وتقديم الباقي على ضوء عدد الاصوات التي حصل عليها الحزب، وعدد المقاعد التي فاز بها، والكلف الحقيقية للحملة الانتخابية. وأخذ بهذا النظام كل من اسبانيا وايطاليا. وبعض الانظمة القانونية اشترطت الحصول على نسبة معينة من الاصوات مثل 1% أو الحصول على نسبة معينة من المقاعد وأخذ بذلك كل من المانيا والنمسا وتركيا والسويد ومقدونيا والنمسا وموزنبيق ونيبال.
وبعض الانظمة القانونية طورت هذه المعايير نتيجة تراكم التجارب حيث تم تقديم الدعم للأحزاب التي لم تفوز بالانتخابات ولكن حصلت على نسبة معينة من الاصوات، اما بالنسبة للأحزاب التي فازت فإنه يتمتخصيص مبلغ معين يقسم بالتساوي أو بحسب نسبة المقاعد التي حصل عليها الحزب وأخذ بهذا النموذج كل من بنين، كرواتيا، جنوب افريقيا، مقدونيا، وملاوي.
وبعض الانظمة الاخرى زاوجت بين شكلين الاول يقدم وفقاً للمؤشرات المؤسسية « الدعم التشغيلي « حيث يقدم مبلغ عند تأسيس الحزب ومبلغ لإتباع الحزب مؤشرات الحاكمية الرشيدة ومبلغ للإنتشار العام للحزب مثل وجود صحيفة للحزب أو حملات شعبية أو غير ذلك، أما الشكل الاخر فهو دعم « المشاركة السياسة « ويقدم على أسس المشاركة في الانتخابات وحصول الحزب على نسبة معينة من الاصوات في حال عدم فوزه بمقاعد أو تشكيل إئتلاف برلماني « مجموعة برلمانية « ووضع حد أدنى من الاعضاء في المجموعة البرلمانية يجب بلوغه لإستحقاق الدعم ويتوقف هذا الدعم بزوال الصفة عنه أو الاستقالة، والبعض خصص مبالغ يقدم لمشاركة المرأة والشباب، ويتم تخصيص مبلغ للحزب الذي يفوز بمقعد في البرلمان ويزداد النبلغ تصاعدياً مع عدد المقاعد، ويتم تخصيص مبلغ للحزب الذي يشارك في الانتخابات بقائمة على مستوى الوطن بأكملة.
وأثبتت التجارب ان الدعم المقطوع الذي يقدم بالجملة وفقاً لفترات سنوية من شأنه ان يلحق الضرر ببنية الاحزاب الفكرية اذ يؤدي الى خلق عدد كبير من الاحزاب دون تأثير أو اقبال جماهيري وإنما كثرة في المؤسسات على حساب الجودة، ومن شأنه ان يؤدي الى إعتبار مؤشرات الاداء في القانون شروط للتأسيس وبالتالي تؤدي الى تقييد الحق في تأسيسي الاحزاب والانتماء اليها وإنتهاج اسلوب الترخيص كبيدل عن اسلوب الايداع، على عكس تطوير معايير موضوعية معيارية من شأنها أن تنتقل الى المرحلة المتقدمة من العمل الحزبي وهي البنية الفكرية-لا المؤسسية – وتعزيز الانخراط العام على ضوء الجودة والقدرة على استشعار مصالح وهموم الناس والوطن ككل الامر الذي يساعد على إخراج الاحزاب والمؤسسات الوطنية من مرحلة الشك الى مرحلة البناء المشترك القائم على الرؤيا الوطنية الواضحة.
وعليه بات من الضروري تطوير تصور وطني شامل لمسألة تقديم الدعم المالي للأحزاب حيث شكلت هذه القضايا وغيرها من النظام الانتخابي وقانون الاحزاب والقوانين ذات العلاقة بالعمل السياسي جدلاً وطنياً واسعاً لم يتم حسمه بشكل علمي مؤسسي، مما إنعكس على جودة حزمة التشريعات السياسية بشكل عام.
مدير مركز الدراسات والبحوث التشريعية