بقلم المحامي : صدام ابو عزام
لا شك بأن الاتساق المؤسسي والتكامل يؤدي الى تطوير بنى تشريعية ناضجة وذات جودة عالية، من شأنها أن تحقق الاحتياج الوطني على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لا يتأتى ذلك الا من خلال إستقرار في العمل الاجرائي الناظم لعملية بناء التشريعات الوطنية في حواظنها المؤسسية.
اذ يعد التشريع الجيد أداة لدعم الإدارة الرشيدة وتعزيزها وذلك من خلال ترسيخ القواعد القانونية كأداة لبلوغ التنمية المستدامة والمحافظة على مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون، والأهم من ذلك تحقيق فاعلية التشريع وهو التحدي المحدث تجاه التشريعات في العالم أجمع بإعتبار القواعد القانونية عامة ومجردة وتنطبق على الجميع دون تمييز.
ولا تكتسب القواعد القانونية هذه الصفات إلا إذا جاءت نتاجاً لمنهج واضح في التعبير عنها وصياغتها بإسلوب يجعل أمر تحقيق الهدف من تشريعها مستساغاً وسهل التحقيق، ويقع في إطار المصلحة العامة الوطنية العليا.
وعليه، فإن إنضاج وتطوير التشريعات في الاوقات الزمنية التي تمكن المؤسسات الدستورية من مناقشتها وفتح نقاش وطني على مضامينها هو أحد خطوات الخارطة التشريعية المطلوبة، ولا تتحلل السلطة التنفيذية من المسؤولية الوطنية في حال إرسال مشاريع القوانين للسلطة التشريعية ولم تمكن الاخيرة من إستكمال البناء العام لتلك القوانين، بل وتجد نفسها المؤسسات مضطرة للإستعجال في إصدار تلك القوانين تحت ضغط ووطأة عدم تفويت فرصة على الدولة من جمع الضرائب، أو ضرورة سرايان القوانين في وقت محدد أو لإلتزام الحكومة باتفاقيات من الصناديق الاقراضية أو المانحة، وبالتالي تتحلل السلطات التنفيذية من حيث المبدأ بالقيام بالاجراءالدستوري المتمثل في ارسال مشروع القانون في وقت متأخر الى السلطة التشريعية، تجد نفسها الاخيرة مضطرة للسير بالقانون وفحته للنقاش وأـخذ وجهات نظر كافة الفاعلين والمختصين، بإعتبار أن عرض مشاريع القوانين للنقاش من أهم أخطر المراحل التي تحدد البناء الموضوعي للقانوني برمته.
وغني عن القول أن عدم اتباع هذا الطريق – العرض للنقاش العام – يؤدي إتصاف القانون بالعيب التشريعي الذي لا يحقق الاستقرار والفاعلية، هذا بالاضافة الى أن الصياغة التشريعية المعيبة تساهم في عرقلة الجهود الوطنية نحو تطبيق الإدارة الرشيدة وتعزيز قيم الشفافية والنزاهة والتنمية، ويؤدي الى تعميق وتجذير العديد من الاشكاليات التشريعية فضلاً عن الاشكاليات العديدة التي يكشفها التطبيق العملي تحول دود و/ أو الاستحالة في تطبيق البعض الاخر والنتيجة الطبيعة لكل ذلك الحاق الضرر بالبناء المؤسسي وعدم إضطراد سلوك الافراد نحو التوجه الايجابي.
في التجارب الدولية المقارنة، منها امريكا، بريطانيا، فرنسا، استراليا، تستند المؤسسات التشريعية في بناء مشاريع القوانين الى قواعد مرجعية مبنية على مراحل مركبة ومتراكمة لا يمكن الانتقال من مرحلة دون سلوك سابقتها، وهذا يتطلب مؤسسات ذات كفاءة عالية مزودة بكوادر فنية وإدارية قادرة على أن تشكل بكليتها قناة مؤسسية لإشراك المواطنين والفاعلين بتلك التشريعات، بل وذهبت بعض التجارب النظيرة الى تقييد إحالة مشاريع القوانين الى السلطة التشريعية الا بعد طرحها للنقاش لمدد مختلفة تصل الى سنة في بعضها، وذهبت بعض الانظمة القانونية الى تطوير قاعدة اجراءات ” قواعد مرجعية ” يتم بموجبها تحديد كافة الخطوات والاجراءات المسبقة التي يتوجب على المؤسسات ذات العلاقة بالصياغى التشريعية سلوكها قبل السير بالخطوات الدستورية لإقرار القانون، وترفض المؤسسة التشريعية النظر أو السير بالقانون اذا ما تم إرفاق الخارطة التشريعية وخلاصة تلك المخرجات مع القانون ليتنسى تقدير مدى الحاجة الى الفعل التشريعي من عدمة.
على ضوء ما تشهده الدولة الاردنية من حركة إصلاحية في كافة المجالات نكون بأمس الحاجة الى مأسسة إجراءات وخطوات بناء التشريعات الوطنية والانتقال الى مراحل غير تقليدية ومأسسة مشاركة المواطنين والفاعلين بتطوير تلك التشريعات، هذه الخطوات والمراحل ايضاً منضبطة وفق أطر إجرائية وموضوعية تقود بالنتيجة الى تحديد الاحتياج المجتمعي لتلك التشريعات وتبيان الفجوات والثغرات التي يسعى التشريع الى تطبيقها.
هذا وقد اولى ميثاق النزاهة الوطني والخطة التنفيذية المنبثقة عنه بالغ الاهمية لتطوير اليات وارجاءات العمل التشريعي في المحو الحادي عشر تحت عنوان مراجعة الية اعداد التشريعات ومراجعة التشريعات الحالية وفق سلم اولويات، وان يتحقق مضمون هذا المحور وفق اطار زمني محدد ينطلق من تحديد وحصر الدور التشريعي للحكومة في الصلاحيات الدستورية المنطلقة من المواد 114و 120، وتوحيد القوانين الناظمة لعمل المؤسسات في قانون واحد في محاولة لتلافي ظاهرة حشد وتراكم التشريعات، وتجنب استخدام النص التشريعي ” على الرغم مما ورد في أي تشريع أخر” وعدم تشتيت الاحكام التشريعية المنظمة لذات الموضوع، واستكمال العمل على التشريعات وفق اولويات وطنية واضحة، فضلاً عن تضمين التشريعات قيم النزاهة ومبادئ الشفافية ونظم المساءلة.
كل تلك الاجراءات لتلافي بعض الظواهر التشريعية التي أصبحت تشكل تحدياً ومعيقاً امام التشريعات الوطنية ولا أدل على ذلك ما حصل في قانون ضريبة الدخل، وما هو متوقع حيال من قوانين تشكل أولوية وطنية مثل قانون البلديات وقانون اللامركزية وقانون الانتخاب اذ لم يتم حتى الان طرحها للنقاش او حتى نشر مشروع القانون، حيث أن وقت الدورة غير العادية للسطة التشريعية يمضي ويشارف على الانتهاء، وبالتالي يضع السلطة التشريعية في مواجهة الرأئ العام، يمكن وصفه على حد أحد السياسيين ” ابتزاز تشريعي”.
لا بد من التذكير بأن تطوير التشريعات الوطنية هو جهد وطني جمعي يسجل النجاح فيه للدولة برمتها وليس لجهة بمعزل عن الاخرى فحالة الاضطرار التشريعي تمس البنية التشريعية الوطنية برمتها وتلقي عبئ مضاف على كافة سلطات الدولة، وتؤدي الى تأزم الرأي العام تجاه عمل تلك المؤسسات وبالتالي يقود الى عدم الرضاء عنها، مما يشكل النواه الاولى لعدم الرضا والقبول السياسي العام عن الاداء العام برمته.