خلفية عامة:
تشهد المنطقة العديد من التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مرد ذلك عدم الرضا العام عن السياسات المتبعة على مدار الحقبة الزمنية الماضية، وعدم قدرة بعض الانظمة السياسية والاقتصادية والادارية منها عن مواكبة وتطوير أدواتها ووسائلها بما يتناسب ويتفق مع المتغيرات العالمية أخذاً بعين الاعتبار الحالة المطلبية للشعوب، مما خلق حالة من الصراع والتناحر وعدم القدرة على تسيير الشأن العام على كافة الصعد، وأدى الى حالة إحباط عارمة لدى كل المطالبين بالحرية والعدالة وحقوق الانسان.
إن تجاوز تركة الماضي والانتقال الى مرحلة جديدة يحتاج الى فهم مستنير ومتبصر من قبل جميع الفاعلين الرئيسيين خلال مرحلة التحول الانتقالي.
توجهنا نحو العدالة الانتقالية:
من هنا، يأتي دور محامون بلا حدود في تطوير الفهم الشمولي لتصميم وتنفيذ مفهوم العدالة الانتقالية بشكله المؤسسي وضمن المبادئ العالمية والتجارب المستقرة ولا سيما مبادئ الامم المتحدة، بإعتبارها أحد الكيانات المؤسسية التي تسعى الى توطيد السلم والامن الدوليين ويشكل نموذج العدالة الانتقالية أحد أدواتها ووسائلها نحو ذلك. وتنطلق محامون بلا حدود في الاسهام بمشاريع العدالة الانتقالية من خلال المبادئ التالية:
1. مراعاة السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي عند تطوير وتصميم نموذج العدالة الانتقالية، انطلاقاً من أن النجاح الحقيقي يحتاج الى مراعات ذلك السياق، والسعي لتطويره بما يخدم المرحلة الانتقالية. ويختلف ذلك من بلد الى أخر حيث أن عمليات العدالة الاتقالية في الدولة ” س” تختلف عنها في الدولة ” ص”.
2. المراعاة الحساسة لحقوق الانسان بشكل عام ولا سيما حقوق المرأة والطفل والابعاد التنموية.
3. مراعاة الضحايا ومكانتهم الاجتماعية والوجدانية عند تصميم اليات وعمليات العدالة الانتقالية.
4. إتساق كافة مراحل العدالة الانتقالية مع مبدأ سيادة القانون، والانطلاق منها، بإعتبارها قواعد مستقرة في الضمير الانساني وتشكل محل إجتماع وتوافق من الكافة.
5. تطوير تصور برامج العدالة الاجتماعية من إدارك حقيقي وعميق للنزاع السياسي والاقتصادي على الثروات وبما يعالج جذرياً كل مواطن الخلاف وتسوية الانتهاكات.
6. تطوير وتصميم شراكات فعالة مؤسسية واضحة المعالم مع كافة الشراكاء والفاعلين في الميدان.
أدوارنا في العدالة الانتقالية:
تقدم محامون بلا حدود تصورات عامة لتنفيذ عناصر العدالة الانتقالية من خلال بناء الرأي الاستشاري حول أنموذج العدالة الانتقالية الاجدر بالاتباع وفق أطر منهجية ومرجعية، بل و يمكن أن يلعب ادواراً اكثر مركزية من خلال الانخراط المباشر في تنفيذ تلك العناصر، أو من خلال الاشراف على التنفيذ لضمان تحقيق الاهداف المرجوة وفق جودة عالية ، وتنطلق العناصر التي يمكن أن تساهم او تشترك فيها محامون بلا حدود من الاتي:
1. مبادرات المقاضاة: والتي تهدف الى محاكمة المسؤولين عنة إرتكاب الانتهاكات والجرائم الخطيرة للقانون الدولي الانساني وقانون حقوق الانسان، وتستلزم شرعية ومصداقية لتلك المحاكمات وإجراؤها بطريقة موضوعية وغير تمييزية، وتطوير الأنموذج الوطني للمحاكم التي تقوم بتلك الادوار، مصحوبة بضمانات المحاكمة العادلة في كافة المراحل، سيما وأن الدول الخارجة من نزاعات وصراعات تكون غير قادرة على إجراء تحقيقات وسماع شهود والقيام بكافة الادوار بشكل فعال ويراعي معايير وضمانات المحاكمة العادلة العالمية.
من هنا صار الى تطوير نهج حساس لتلك المحاكمات إستقر في الفقة الدولي اصطلح على تسميته – القضاء المختلط- او ذو الاختصاص المزدوج، ولحين إختيار الانموذج الامثل يتطلب ذلك إطلاع عميق وموضوعي لكافة السياقات الوطنية والثقافية والمؤسسية وبناء تحليل علمي لها وبناء التصور نحو الخيارات والبدائل في كافة المراحل، الامر الذي تعتبر محامون بلا حدود نفسها جزء أصيل من تلك المرحلة.
2. لجان التحقيق الوطني لمعرفة الحقائق: والتي تهدف بشكل رئيس الى كشف الحقيقة على الملاء من خلال لجان تحقيق وتقصي فعالين يقوم به مجموعة من الخبراء والاشخاص المشهود لهم بالخبرة والنزاهة والكفاية والقدرة، والتنفذ ضمن خطط ووسائل واضحة ويتطلب ذلك وجود وتطوير نظام وطني فعال للأرشفة والتوثيق يمكن ويسهل الرجوع اليه، ولطالما كانت تلك المعلومات محل إستهداف وإتلاف من جميع الفرقاء، محامون بلا حدود تجد نفسها معنية بالانخراط عن كثب في ممارسة وبناء تصورات عن كل تلك الادوار، بل ويمكن بناء شراكات طويلة الأمد لضمان الحفاظ على مخرجات تلك العملية.
3. جبر الضرر: تسعى برامج جبر الضرر في سياق العدالة الانتقالية الى توفير سبل الانتصاف للضحايا وذويهم وللمتضررين نتيجة الانتهاكات الجسيمة، مما يعني ان الحاجة ضرورية وملحة لبناء تصور وطنس شمولي لجبر الضرر مادي ومعنوي على حدٍ سواء من حيث: التعويض المادي، الخدمات الطبية المناسبة، الخدمات النفسية، واعادة التأهيل الدمج، والخدمات التعليمية، واعادة الاملاك للضحايا، والاعتذارات الرسمية وغير ذلك من وسائل، وتطالعنا افضل التجارب العالمية في مجال جبر الضرر بأن اكثرها نجاحاً هي التي تتم بناء على خطط مؤسسية وبالشراكة مع الجميع وبناء على مشاورات وطنية، وتعزيز جانب المصالحة مما يعيد ثقة الجمهور بالدولة.
4. الاصلاح المؤسسي: يغدو محور الاصلاح المؤسسي مكون مركزي في عملية العدالة الانتقالية من خلال القدرة على تحويل المؤسسات التي ساهمت أو شاركت في الانتهاكات الى مؤسسات تسعى الى ترسيخ قيم الدولة وحقوق الانسان والعدالة بل ويعد النجاح الاكبر بأن تعتبر تلك المبادئ منطلقات عملها الجوهرية وأحد مكونات رسالتها ورؤيتها، وعليه يعتبر تسريخ وتجذير اطر العمل المؤسسية والقدرة على اختيار قادة لتلك المؤسسات ولا سيما الامن- والعدالة بناء على كفاءة وخبرة وقدرة احد المطالب الجوهرية للعب تلك الادوار. وهذا يتطلب تنفيذ دورات منهجية وطويلة وتحديد للادوار والاختصاصات بشكل واضح وصريح هو معول تحريك وتفاعل المجتمع مع تلك المؤسسات. وهي تتطلب توخي العناية والدقة في البناء والتصميم والتخطيط والموارد الفنية، والتي هي محور عمل محامون بلا حدود.