كما كل عام، مخالفات متكررة مرارا وتكرارا في تقرير ديوان المحاسبة السنوي الـ71 للعام 2022، والصادر أول من أمس، ليكون كما سابقه وسابقه، غني بالاعتداءات على المال العام، لكن لا حياة لمن تنادي.
وبرغم حلة محدثة وأنيقة حملها الشكل الأخير لتقرير ديوان المحاسبة من حيث محتوياته، بخاصة تلك التي جاءت على شكل ملخصات واضحة، تشمل أبرز المخالفات المالية والإدارية لمختلف المؤسسات والوزارات والشركات التي تقع ضمن نطاق رقابة الديوان، إلا أن تلك المخالفات الواردة في المخرجات الرقابية، تكرر وقوعها العام الحالي، كما الأعوام السابقة، وبالمضمون ذاته إلى حد ما.
وفيما تسعى إجراءات “المحاسبة” عبر أدواته الرقابية، للتدخل بكامل إمكانياته القانونية نحو الحفاظ على المال العام ومراقبة موارد الإنفاق من الدولة، وتطوير نهج الحوكمة وفق أفضل المعايير والممارسات العالمية، لكن آليات العمل على تنفيذ توصيات التقرير “ما تزال خجولة”، وفق إداريين وقانونيين.
ودعا مختصون في القانون الإداري عبر تصريحات لـ”الغد”، إلى ضرورة توفير أدوات مساءلة وإحالة إلى القضاء في حال ثبوت جرائم، وأدوات تصويب وتطوير أدوات مؤسسية، ضمن قرارات وسياسات وتشريعات، تضمن عدم تكرار مثل هذه المخالفات.
وزير الاتصال الحكومي والناطق الرسمي باسم الحكومة د. مهند مبيضين أكد لـ”الغد”، شفافية التقرير وجهوده المقدرة، مشيرا الى أن الحكومة تتعامل مع كامل الملاحظات الواردة وتتجاوب بشكل مقدر، مضيفا أنه عادة ما يسهّل تكرار المخالفات بمعالجتها وعملية تقويمها.
إلى ذلك، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة جرش د. صدام أبوعزام، أن “التفاعل مع المخالفات لدى وزارات ومؤسسات عدة، خاضعة لنطاق رقابة الديوان والتي يرصدها سنويا، ما يزال متواضعا، وآليات العمل على تنفيذ التقرير ما تزال خجولة”.
وأكد أبو عزام أن “الحاجة الماسّة لتطوير آليات عمل وطنية، لمتابعة تنفيذ ووقف المخالفات التي يجري رصدها من الديوان في هذا المجال”، مبينا أن مناقشة تقرير الديوان في مجلس النواب “غير كافة وحدها إذ نحتاج لتوحيد وتطوير آليات العمل على التقرير”.
وبيّن أن هذا التقرير “يرصد مخالفة؛ هي مخالفة لأحكام القانون، وتتضمن مخالفات بعضها جنايات وأخرى جنح”، فبالتالي “هناك إشكاليات من المؤسسات رصدت عبر التقرير”.
ودعا لأهمية توفر “أدوات مساءلة وإحالة إلى القضاء في حال ثبوت جرائم، بالإضافة لأدوات تصويب وتطوير أدوات مؤسسية عبر قرارات وسياسات وتشريعات، لضمان عدم تكرار مثل هذه المخالفات”.
أما عن رصد المخالفات في بلديات وجامعات ووزارات عدة بمضمون متكرر ومنذ أعوام؛ فأرجع أبو عزام سبب ذلك إلى “عدم وجود قناعة لدى هذه الوزارات أو المؤسسات، بأن ما يرصده التقرير قد يؤدي لمحاسبة أو معاقبة القائمين عليها أو مرتكبيها، وبالتالي في هذه الحالة، يفقد تقرير الديوان قيمته القانونية وتأثيره، والغاية التي وجد لأجلها، وهي المحافظة على المال العام وتحسين الأداء وتطوير الأداء الحكومي والمؤسساتي”.
وتوازيا مع السياق السابق، أكد ضرورة تطوير الآليات اللازمة لضمان فاعلية تنفيذ توصيات الديوان، في ظل الحديث عن رؤية تحديث القطاع العام والتي أطلقت نتائجها ومرور الدولة بتحولات رئيسة اقتصادية وقطاع عام وسياسية، لا سيما وأن تلك التوصيات تمثل “جزءا مهما من تطوير القطاع العام”.
من جانبه، أكد الأمين العام السابق للديوان إبراهيم المجالي، أن إشكالية تكرار المخالفات؛ تعود إلى “ضعف الاستجابة، وبالتالي تتكرر الملاحظات والمخالفات وتصعب معالجتها”، داعيا لمعالجة الذي يرصدها الديوان منها في فترة وجيزة، بخاصة إن كانت “مقصودة”، وتحويلها الى الهيئات المعنية.
وبني المجالي أن “عدم وجود مساءلة حقيقية، سواء برصد الخطأ المالي أو الإداري الذي يؤثر أيضا على المال العام ويلحق ضررا بالميزانية، يسهم بتكرار تلك المخالفات، توازيا والترهل في الجهات الحكومية”، مشيرا الى تأثير “التسويف”، وتأخير معالجة المخالفات لفترات طويلة، ما يؤثر بشكل أساسي على إمكانية تنفيذ التوصيات والتصويبات اللازمة.
ويستمد الديوان ضرورة تطوير عمله ومنهجية إعداده للتقارير من توجيهات جلالة الملك عبدالله الثاني، توازيا والحرص على تنفيذ مهامه على أكمل وجه من دون تأخير وفق القانون، والالتزام بمعايير الموضوعية والشفافية في تقارير الديوان، اذ يؤشر إلى الخلل وبما يحافظ على إنجازات المؤسسات، بهدف التكامل بين مؤسسات الدولة، لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وفق تصريحات سابقة لرئيس الديوان د. راضي الحمادين.
وقال الحمادين في تصريحات سابقة، إن التقرير الـ71، أظهر أن إجمالي الوفر المتحقق لصالح خزينة الدولة، وبجهود مدققي الديوان العام الماضي، بلغ نحو 102.7 مليون دينار، نتيجة تدقيق المعاملات المتعلقة بالضرائب والرسوم واسترداد المبالغ المصروفة بغير وجه حق، والمشاركة في لجان العطاءات والمشتريات، وإصدار الاستيضاحات والكتب الرقابية ومذكرات المراجعة ولوائح التدقيق.
وبين الحمادين، أن عدد المخرجات الرقابية التي اصدرها الديوان بلغت في العام ذاته، 376 مخرجا رقابيا، تضمنت 5087 ملاحظة ومخالفة جرى تصويب 47 مخرجا رقابياً تضمنت 1086 ملاحظة ومخالفة.
وحول عمل اللجنة الوزارية برئاسة وزير الدولة لشؤون رئاسة الوزراء وتضم في عضويتها أمين عام ديوان المحاسبة، وممثلين عن وزارة المالية ورئاسة الوزراء، وتقوم بدراسة المخرجات الرقابية ومناقشة الجهات المعنية الخاضعة للرقابة والمخالفات الواردة للجنة أولاً بأول، أكد الحمادين، أن اللجنة حولت 18 مخرجاً رقابياً الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، لقناعة اللجنة بوجود شبهة فساد فيها، ولإجراء مزيد من التحقيق.
كما حولت 6 مخرجات رقابية، تتعلق بحسابات الجهات الحكومية إلى القضاء، تبين فيها تجاوز على المال العام.
وبين أن اللجنة أصدرت 55 قرارا باسترداد وتحصيل أموال عامة، بلغت قيمتها 3.834.856 دينار، في حين حولت اللجنة 9 مخرجات رقابية إلى ديوان التشريع والرأي، لبيان الرأي بخصوص التباين في وجهات النظر بين الديوان والجهات الخاضعة لرقابته.
وحول الشكاوى والاقتراحات الواردة للديوان، أكد الحمادين أن الديوان يولي أهمية كبيرة للشكاوى الواردة إليه، بحيث بلغ مجموع الشكاوى الواردة نحو 289 العام الماضي، جرت متابعتها حسب الأصول، وأصدر 31 مخرجاً رقابياً في ضوء هذه الشكاوى.
وحول إنجاز نظام التتبع الالكتروني وغرفة التحكم في مبنى الديوان، أكد الحمادين زيادة في نسب الالتزام بالأنظمة التي تحكم عمل المركبات الحكومية، اذ تبين انخفاض عدد مخالفات استخدامها بعد ساعات العمل الرسمي العام الماضي بنسبة 28 % مقارنة مع الذي سبقه.
كما انخفضت عدد مخالفات فصل مزود الطاقة الرئيس، وتوقف جهاز التتبع عن العمل الرسمي 96 % في 2021، لافتاً الى ان عدد المركبات الحكومية العاملة والتي تحمل لوحة حكومية بلغ 15331، زود منها نحو 13500 بجهاز تتبع إلكتروني.
إلى ذلك، اعتبر أستاذ القانون العام بجامعة جرش د. صدام أبوعزام، أن “التفاعل مع المخالفات لدى وزارات ومؤسسات عدة، خاضعة لنطاق رقابة الديوان والتي يرصدها سنويا، ما يزال متواضعا، وآليات العمل على تنفيذ التقرير ما تزال خجولة”.
وأكد أبو عزام أن “الحاجة الماسّة لتطوير آليات عمل وطنية، لمتابعة تنفيذ ووقف المخالفات التي يجري رصدها من الديوان في هذا المجال”، مبينا أن مناقشة تقرير الديوان في مجلس النواب “غير كافة وحدها إذ نحتاج لتوحيد وتطوير آليات العمل على التقرير”.
وبيّن أن هذا التقرير “يرصد مخالفة؛ هي مخالفة لأحكام القانون، وتتضمن مخالفات بعضها جنايات وأخرى جنح”، فبالتالي “هناك إشكاليات من المؤسسات رصدت عبر التقرير”.
ودعا لأهمية توفر “أدوات مساءلة وإحالة إلى القضاء في حال ثبوت جرائم، بالإضافة لأدوات تصويب وتطوير أدوات مؤسسية عبر قرارات وسياسات وتشريعات، لضمان عدم تكرار مثل هذه المخالفات”.
أما عن رصد المخالفات في بلديات وجامعات ووزارات عدة بمضمون متكرر ومنذ أعوام؛ فأرجع أبو عزام سبب ذلك إلى “عدم وجود قناعة لدى هذه الوزارات أو المؤسسات، بأن ما يرصده التقرير قد يؤدي لمحاسبة أو معاقبة القائمين عليها أو مرتكبيها، وبالتالي في هذه الحالة، يفقد تقرير الديوان قيمته القانونية وتأثيره، والغاية التي وجد لأجلها، وهي المحافظة على المال العام وتحسين الأداء وتطوير الأداء الحكومي والمؤسساتي”.