على الرغم من العلاقة الملتبسة السائدة بين المؤسسة الرسمية والمجتمع المدني عبر السنوات الماضية والتي اقل ما يمكن وصفها بأنها قائمة على الشك والريبة فالمؤسسة الرسمية تعتقد بأن القائمين على الجمعيات مجموعة من المنتفعين الراغبين بالثراء على حساب العمل الطوعي، ردة الفعل الطبيعة من الطرف الأخر تشير الى محاولات تضييق وتقييد مستمر بكافة الوسائل والتدابير. كل ذلك شكل بدون منازع أجواء عدم ثقة سادت ولا زالت تحكم العلاقة.
الفهم القاصر لدى المؤسسات الرسمية وعلى رأسها وزارة التنمية الاجتماعية لدور ورسالة واهداف المجتمع المدني الحقيقي أدى الى استجابات إنفعالية من خلال إتخاذ خطوات تنفيذية وتشريعية شوهت الإطار الوطني الناظم لعمل المجتمع المدني، على الرغم من أن حالة التشخيص هذه باتت واضحة للعيان وتم الإشارة اليها في العديد من التقارير الوطنية والدولية والدراسات وغيرها، الا أن الصوت المرتفع للأقلية المشككة استطاع توجيه دفة العمل المؤسسي بالذهاب نحو التقييد وشيطنة عمل تلك المؤسسات.
في أكثر من مناسبة وطنية ومن أعلى المراجع في الدولة الأردنية أكد جلالة الملك على ضرورة دعم المجتمع المدني في الأردن، وبذلت جهود حكومية لتطوير تصور وطني شمولي يعزز عمل مؤسسات المجتمع المدني في الأردن، لكن جرياً على ماسبق بأت بالفشل لعدم وجود رغبة مؤسسية لدعم وتنفيذ هذا التوجيه.
لا يخفى على أي مراقب للشأن المحلي في أن ما تقوم به الجمعيات المنتشرة في كافة أرجاء الوطن حققت العديد من المبادرات الوطنية التي يشار لها بالبنان ودخلت ديدن العمل الاقليمي والعالمي وحظيت بالتكريم في اكثر من مناسبة وطنية، وتجاوزت في قدراتها المؤسسية الكثير الكثير من البريرقراطية الرسمية، لماذا ولمصلحة من يتم شدها للوراء والتضييق عليه؟؟؟.
لكن يبدو أن هذه الحالة من الفعالية والنشاط من الإنخراط في العمل الوطني التنموي والخيري والتوعوي والبيئي والحقوقي لم ترق للوزارة بفروعها والمؤسسات التي تعاني الكسل والترهل والتضخم الاداري وعدم القدرة على التخطيط وتحقيق الاهداف وهي والتي علا صوتها في المطالبة بالتضييق على عمل الجمعيات بشكل عام وتسللت افكار القائمين عليها الى التأثير على التدابير التشريعية والتنفيذية والادارية حيال عمل المجتمع المدني في الاردن.
أمر غريب، في الدولة الأردنية، على الرغم من عراقة عمل المجتمع المدني والجمعيات بكافة غاياتها واهدافها منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي – بل وتشير بعض الدراسات الى قبل ذلك- لا زلنا غير قادرين على انضاج تصور وطني حقيقي لعمل المجتمع المدني قائم على الثقة والمصداقية والشفافية والموضوعية في العمل ضمن الاولويات الوطنية والسياسات والخطط المعتمدة.
لعل العبئ الاكبر في ذلك منوط بالوزارات المختصة والتي عليها أن تبذل قصارى جهدها لتخلق وتعزز أجواء الثقة في عمل مؤسسات المجتمع المدني، وأن تعيد كلياً النظر بآليات وإجراءات الشراكة التقليدية الى شراكة حقيقية في عمل المجتمع المدني لتساهم في تحقيق الاهداف والمصالح الوطنية العلياء بعيداً عن ضيق الأفق، وهذا لا يأتي من خلال قانون للترخيص وطلب إشتراطات وأعداد للتسجيل أو نظام للمتابعة أو تقييم سنوي وغيرها من وسائل للأسف لم تجد نفعاً، بإعتبارها تظهر جانب التنظيم والنصح والارشاد، وتخفي جانب التقييد والسيطرة وهذا ما كشفه ويؤكده الواقع العملي.
على الرغم من أن قانون الجمعيات مصاب بالعمى التشريعي، بالاضافة الى كم الانظمة والتعليمات والقرارات الصادرة بموجبه لم تجد ضراً وزارة التنمية الاجتماعية في محاولة بائسة وأخيرة بعد فقد السند التشريعي لإصدار أنظمة أن تصدر تعليمات تحت مسمى” التعليمات التنظيمية لمتابعة أداء الجمعيات الخيرية الصادرة بالاستناد الى المادة 7 من نظام التنظيم الاداري لوزارة التنمية الاجتماعية”.
وبالرجوع الى نظام التنظيم الإداري رقم 17 لعام 2015 والذي يحتوي على 8 مواد بموجبها تم تنظيم الهيكل المؤسسي للوزارة وتحديد مرجعيات وعلاقات العمل بين مديريات الوزارة، واشارت المادة 7 من النظام الى صلاحية الوزير إصدار التعليمات اللازمة لتنفيذ هذا النظام بما فيها مهام المديريات وإجراءات العمل بينها، ولم يتم الاشارة الى علاقة المديريات بعمل الجمعيات من قريب أوبعيد، وللأسف اشتمل مطلع التعليمات مسمى الجمعيات الخيرية المرخصة بموجب قانون الجميعات مع العلم بأن قانون الجميعات لم يشتمل على أي تصنيف للجمعيات سوى الجمعيات الخاصة والمغلقة والجمعيات بشكلها العام.
هذا فضلاً عن جهود كبيرة بذلت في السنوات الماضية من قبل إدارة سجل الجمعيات لتطوير إجراءات وآليات وطنية لتنظيم العمل والتي كادت أن ترى النور آنذاك لولا أن تم اجهاضها.
للأسف تشوه تشريعي يضاف الى الكثير من الاشكاليات التشريعية التي لحقت وهزت بنية التشريعات الوطنية وألحقت بها بالغ الضرر، إذ على أي معيار وعلى أي مبرر إستند صاحب هذه الفكرة في إصدار هذه التعليمات المشؤومة، وقد يطل علينا بعض المتنطعين بالقول هي لغايات تنظيم عمل الجمعيات في المحافظات مع المديريات، اذا كانت المديريات غير قادرة على تنظيم شؤونها كمؤسسة واحدة فما ذنب الجمعيات في هذا الكسل الاداري والمؤسسي ، هذا فضلاً عن أن أهداف وغايات التعليمات بموجب المادة 3 واضحة وصريحة في تأكيد بسط اكبر قدر من السيطرة على عمل الجمعيات فضلاً عن صلاحيات واسعة للمديريات في التدخل السافر في عمل تلك الجمعيات، واستحداث أحكام موضوعية خطيرة تمس كيان وكينونة الشخصية الإعتبارية التي كفلها قانون الجمعيات.
كان الأجدر أن تصدر قرارات بإالغاء كافة فروع مديريات التنمية الاجتماعية في المحافظات هذا العبئ الثقيل المالي والبشري الذي أصبح أحد معيقات العمل المؤسسي وغير القادر على النهوض بالاعباء الوظيفية المنوطة به، وتطوير وخلق أنموج وطني يدعم جهود الجمعيات في كافة أنحاء المملكة لتساهم كشريك وطني فاعل في التصدي لكافة المشكلات الإنسانية والخيرية وغيرها وفقاً للأهداف والغايات المنوطة بهذه الجمعيات.
استمعت الى العديد من القائمين على عمل الجمعيات في المحافظات والذين اكدوا على أن الاشكاليات تكمن في التعامل مع مديريات الوزارة المنتشرة والتي يحاول القائمين عليها بسط النفوذ والهيمنة الادارية على الجمعيات والذين يتأبطون شراً اذا مات تم تنفيذ زيارة من قبل مرجع سياسي أو اداري رفيع المستوى ولم يكن ممثل المديرية أو مديرها موجود هذا الحنق للأسف يمثل واقع العلقات المؤسسية في التعامل مع المجتمع المدني.