أيلولة الإنهاء الدستوري لمجلس النواب السابع عشر غدت محل جدل، حيث يتصدر النقاش القانوني والسياسي والاجتماعي تساؤل حول الاجراء الدستوري لمصير مجلس النواب السابع عشر، وتصدى للإجابة على هذا التساؤل عديد من اصحاب الخبرة في الشأن الدستوري.
وفي حقيقة الأمر يتطلب الأمر فهماً عميقاً لنصوص الدستور يأخذ بعين الإعتبار التعديلات التي طرأت على الدستور في أواخر عام 2011، بما يحقق ويعزز التوجه الوطني العام نحو تشكيل حكومات نيابية برلمانية.
وفي ذلك يمكننا القول أن الدستور الأردني جاء بنصوص واضحة مفادها بأن مدة مجلس النواب هي 4 سنوات شمسية وفقاً لنص المادة 68 من الدستور كقاعدة عامة، إلا أن المشرع الدستوري إنتقص من هذه المدة أربعة شهور تسبق إنتهاء مدة المجلس بموجب الفقرة 2 من المادة 68 من الدستور. مع التاكيد على أن الفقرة 1 من ذات المادة أجازت لجلالة الملك أن يمدد مدة المجلس من سنة الى سنتين.
وفي ذات السياق، وبإستعراض آليات إنهاء المجالس النيابية في الاردن نجد أن أحد عشر مجلساً نيابياً من أصل 15 تم حلها منذ بدء الحياة البرلمانية في الأردن ” مجلس النواب الأول” في تشرين أول عام 1947. وكان قرار الحل ينطبق على المجالس التي أكملت مدتها الدستورية أو قبل ذلك، مع مراعاة أنه لا إنتظام وتواتر في سياق ذلك لإنقطاع في التجربة النيابية، وغلبة الحل قبل إنتهاء المدة الدستورية على المجالس النيابية.
اما من حيث مجلس النواب السابع عشر نجد بأن العمر الدستوري لهذا المجلس بدأ منذ 29/1/2013 تاريخ إعلان نتائج الانتخابات وفقاً لنص المادة 68 فقرة 1، فالأصل أن ينتهي العمر الدستوري لهذا المجلس بتاريخ 29/1/ 2017 منقوصاً منه مدة الاربعة أشهر التي يجب إجراء الانتخاب العام خلالها و التي تسبق إنتهاء مدة المجلس، إذن بإنقاص هذه الشهور تكون النهاية الدستورية لعمر المجلس هي 29/9/ 2016.
وعليه فإن المجلس السابع عشر يكون أتم أربع دورات لإنعقاده ثلاث دورات عادية بما فيها الحالية وأخرى غير عادية وتأخذ حكم العادية بموجب المادة 73 فقرة 1 الدستور، وتنتهي الدورة العادية الثالثة” الرابعة” بتاريخ 15/5/2016 حيث إفتتح جلالة الملك هذه الدورة بتاريخ 15/ 11/ 2015، وعليه فإنه من غير المتصور أن يعقد مجلس النواب دورة عادية في مطلع شهر تشرين الاول على إفتراض أن عمر المجلس لم ينتهي، وبعد تاريخ 15/ 5/ 2016 لا يبقى الا خيار عقد دورة استثنائية وعند تحديد مدتها يتم الأخذ بعين الاعتبار المدد المقررة بقانون الانتخاب للتحضير لإنتخابات نيابية وانعقاد المجلس الثامن عشر في دورة عادية أول في بداية تشرين الاول إنسجاماً مع الدستور.
الجانب الذي يجب أخذه بعين الاعتبار بموجب التعدلات الدستورية على المادة 74 في عام 2011 أنه على الحكومة التي يحل المجلس في عهدها تستقيل خلال اسبوع من تاريخ الحل ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها. هذا النص مستحدث لم يكن قبل عام 2011 والغالب الأعم قبل عام 2011 إتباع خيار الحل بإرادة ملكية، وهنا يجب التنبيه الى أن الحل في جميع الاحول لم يعد الخيار الأنسب دستورياً، حيث من المحتمل أن تستمر أي حكومة بعد الانتهاء الطبيعي للعمر الدستوري لمجلس النواب، بإعتبار أن الانتهاء المبتسر لعمر المجلس هو إستثناء على الاصل العام فضلاً عن أنه الخيار الذي لا يتلائم مع تشكيل الحكومات النيابية البرلمانية من حيث اللجوء الى الحل هو الخيار الأصعب دستورياً، لضرورة التفريق بين طريقة انتهاء المجلس بين الفض والحل لتحديد مصير الحكومة التي حل المجلس خلالها. فمن غير المتصور سياسياً إستمرار الحكومة التي إنبثقت وشكلتها أغلبية برلمانية كانت نتاج المجلس المنحل.
فضلاً عن أن الاقلية النيابية – على فرض وجودها- تشكلت بناء على نتائج الانتخاب للمجلس المنحل مما يعني عدم القدرة على بسط الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
بالبناء على ما سبق، فإن هناك عدة مفاهيم دستورية يجب التفريق بينها والمضي قدماً لتكريس اعراف وتقاليد برلمانية ودستورية ايجابية بما يتوائم مع شكل الحكومات النيباية البرلمانية، وعليه فلا يترتب ذات الاثر الدستوري والسياسي على الشكل المتبع في انهاء المجلس وهي مفاهيم تنطلق من : الحل، الفض، والافتتاح ، التمديد، بالنسبة لمفهمومي الافتتاح والتمديد لا يثار حولهما أي لبس في هذا السياق.
اما بالنسبة للحل فإنه الانهاء المبتسر أو غير الطبيعي لعمر مجلس النواب أي قبل انتهاء مدته الدستورية وهو استثناء يلجاء اليه في حالة الاستعصاء السياسي أو الاستحالة في تسيير الشؤون العامة أو لأي سبب أخر مع التأكيد على أن الحل يجب تسبيبه، اما بتنسيب مجلس الوزراء أو بالإرادة الملكية لضمان الإعمال الحقيقي لنص الفقرة 1 من المادة 74 والتي لا تجيز الانهاء لذات السبب للمجلس الذي يليه.
وعليه، اذا سلمنا مع وجهة النظر القائلة بضرورة اللجوء الى الحل في جميع الاحول – حتى مع انتهاء العمر الدستوري- فإن هناك استحالة في تطبيق الفقرة 1 من المادة 74 والتي لا تجيز الحل لذات السبب، أو تكون هذه الفقرة من قبيل اللغو والمعروف أن المشرع لا يلغو.
وبالعودة الى مجلس النواب السابع عشر والذي تنتهي دورة العادية الثالثة في 15/5/2015 والاحتمال الوحيد المتبقي هو عقد دورات استثنائية أو تمديد الدورة العادية الثالة لمدة لا تزيد على ثلاث اشهر وفقاً لنص المادة 78 فقرة 3. والدورة الاستثنائية هي الخيار الملكي وفقاً لنص المادة 82 من الدستور ويتم بموجب الإرادة الملكية تحديد مدتها.
إذن بإنتهاء تاريخ 15/ 5/ 2016 لا يتمكن مجلس النواب من الاجتماع الا بالخيارات التي تم الاشارة اليها، وعليه فلا داع لصدور إرادة ملكية بحل المجلس، وانما يصار الى الاعمال الطبيعي لنصوص الدستور وتحديداً المادة 78 فقرة 3 بصدور إرادة ملكية بفض الدورة العادية الثالية بعد انتهاء الاشهر الستة لها.
وبذات الوقت فإن جلالة الملك هو من يأمر بإجراء الانتخاب وفقاً لنص المادة 34 فقرة 1 وتقوم الهيئة المستقلة للإنتخاب بتحديد الموعد الرسمي لإجراء الانتخاب وفقاً لقانونها، وعليه بصدور الارادة الملكية بفض الدورة العادية الثالثة، وصدور إرادة ملكية بإجراء الانتخاب العام خلال عام 2016 فإن هذه الارادة – أي الثانية- تحسم الخيارات المتبقية وهي: عقد الدورات الاستثنائية، أو التمديد للمجلس ، أو تمديد مدة الدورة العادية الثالثة، وبالتالي نخرج من أي إشكال قد ينشاء حيال إعمال نصوص الدستور.
والقول بأن هناك عرف دستوري لإتباع خيار الحل يعوزه الدقة، اذ بمجرد الذهاب الى مأسسة الرقابة الدستورية وإناطة صلاحية تفسير نصوصو الدستور بالمحكمة الدستورية يغدو مثل هذا القول أحد أدوات التفسير التي تثبت للمحكمة الدستورية في حال الغموض الذي ينشأ حيال أي نص دستوري.