الانتخابات البلدية في الميزان

بقلم المحامي : صدام ابو عزام 

تكمن أهمية الانتخابات العامة بكافة مستوياتها بأنها المؤشر والمعبر الأهم إن لم يكن الوحيد عن إرادة الشعوب، وإن الكشف عن هذه الارادة هو الهدف الاسمى للحكومات ومن يدير الشأن العام ليتمكن من معرفة رغائب وتطلعات الشعب وبالتالي صياغتها وبلورتها في خطط الحكومات المستقبلية ، هذا بكل بساطة مبتغى الانتخابات ، الا أن المشاركة العامة تتعدد صورها واشكالها بل وذهب البعض الى اعتبارها أحد الاركان الوجدانية للمواطنة، من انتخابات نيابية بلدية رئاسية أو اندية وجمعيات الى مساهمة ومشاركة في الشأن العام والاهتمام به الى العمل العام والطوعي وغير ذلك .

وتعتبر المشاركة العامة حقاً سياسياً بامتياز وهي حكر على مواطني الدولة كونهم المقيمين فيها والأقدر والأجدر على تقرير مصيرهم السياسي، وعليه يجب أن تنصاع جميع الاجراءات والاليات والترتيبات الرسمية من قبل الجهات المشرفة على الانتخابات في انسياب طبيعي نحو تبسيط وتسيير العقبات أمام مشاركة المواطنين لضمان أكبر حجم من مشاركة المواطنين ليؤكد ذلك على تمتعهم بهذا الحق وبهذا الفهم تغدو المشاركة العامة أحد مضامين ومؤشرات الحق في تقرير المصير.

وزيادة مشاركة المواطنين مؤشر يعبر عن مدى رضا الجماهير عن السياسات العامة المنتهجةِ في الدولة، وتؤدي الى بناء جسور فكرية وثقافية جامعة للشعب بتوحيد اولوياته وتلافي الاشكاليات التي تطرأ من مثل: الاقليمية والعنصرية والتهميش والاقصاء والتمييز ومعالجة كافة الاختلالات المجتمعية مما يضع عبئ كبير على صانع التشريع عند وضع قوانين تتعلق بالمشاركة العامة أن يراعي هذه الاولويات. وبالمشاركة العامة والتفاعل الشعبي تتحقق التنمية المستدامة وبرامجها إذ لا يتصور نجاح وإنجاز المشاريع التنموية بمعزل عن المشاركة الشعبية/ العامة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعتبر المشاركة العامة أفضل الوسائل للتربية الديمقراطية والثقافية وتشكل نماذج وممارسات فضلى للأجيال القادمة وترجمة لشعور المواطنين بالمسؤولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم والتفاعل مع المعيقات والتحديات التي تواجههم والرغبة في تحويل الأهداف التي يريدون بلوغها إلى واقع ملموس.

على هذه المعطيات والمبادئ يجب أن تقوم المشاركة العامة وتبنى الانتخابات بكافة مستوياتها، في 27/ 8/ من الشهر الجاري سيتم إجراء الانتخابات البلدية في كافة مناطق المملكة ، وتتواتر المعلومات عن ضعف الاقبال العام لدى المواطنين للمشاركة في هذه الانتخابات – وان كان من الناحية العلمية الكمية صعب تحديد الرقم – الا أن التحليل النوعي وارد في مثل هذه الحالات ، والسؤال الموجهة لكافة الشركاء في العلمية الانتخابية، هل تم أخذ هذه المعايير في عين الاعتبار.

إن المطلع على قانون البلديات والاشكاليات الجوهرية الموضوعية والإجرائية والنظام الانتخابي وتقسيم الدوائر والصلاحيات التي تضمنها لوزير البلديات وعدم الاستقلال الاداري والمالي للمجلس والمهام والادوار للمجالس البلدية ، والدور التنموي والنهوض بالدور الخدمي للمنطقة والوفر المالي، يجد بحق أن هناك قصوراً بيناً فيه، وما الجانب الاجرائي ايضاً ببعيد عن هذا التشخيص من حيث وقت الانتخاب والجاهزية المجتمعية وهنا ايضا يكمن السؤال هل المجتمع الاردني بهذه الظروف المحلية والاقليمية لا تزال لديه الرغبة في المشاركة ؟؟ .

إن مجمل الاجراءات التي تم اتباعها من قبل وزارة البلديات ستخضع للتقييم بعد اتمام الانتخابات ودور الهيئة المستقلة للانتخاب من حيث الاشراف والادارة وعدم حسم الدور الحقيقي لها وفقا لقانون الهيئة فضلاً عن عدم تهيئة المناخ العام، وخلق بيئة ملائمه للعمل العام وإدماج مفاهيم المشاركة الشعبية في اليات وطرائق العمل ، وتحفيز المواطن الاردني للانخراط في الشأن العام والمشاركة الواعية المبنية على أسس علمية موضوعية تتعلق بالصالح العام من خلال تنفيذ العديد من الانشطة وتطوير البنية التشريعية بحيث يشعر كل مواطن بأن له دور حقيقي في عملية البناء وجزء من قرار تنمية منطقته، وإيجاد هياكل تمثيلية بناء على منظومة تشريعية تتسم بالعدالة والمساوة ومن شأنها تعزيز حقوق الانسان فضلاً عن مؤسسية وديمومة العمل لضمان أداء وفاعلية هذه المؤسسات لتعظيم التراكمية والبناء في العمل العام. وتعزيز انفتاح المؤسسات الرسمية على مؤسسات المجتمع المدني التي تشكل الاطار المرجعي للمشاركة العامة وبناء شراكة فاعلة تأخذ بعين الاعتبار مخرجات العمل كنتاج للمشاركة العامة، والمضي قدماً في بلورة رؤيا حقيقية للمجالس البلدية وتفعيل الدور الخدمي والتنموي لمحافظات المملكة وادماج أكبر شريحة مجتمعية في إدارة الشأن العام.